مجلة الثانوية - مجلة علمية، ثقافية وأدبية
تصدر شهريا من طرف ثانوية الشهداء الاخوة خضراوي، زريبة الوادي
مجلة الثانوية - مجلة علمية، ثقافية وأدبية
تصدر شهريا من طرف ثانوية الشهداء الاخوة خضراوي، زريبة الوادي
كل واحد منّا يرى العالم بطريقة مختلفة، وكأننا جميعاً ننظر من نوافذ زجاجية ملونة. كل نافذة تحمل لونها الخاص، لون حياتنا وتجاربنا. لكن المشكلة تبدأ عندما يظن أحدنا أن اللون الذي يرى به هو “الحقيقة” المطلقة، بينما في الواقع، لا يرى سوى جزء من الصورة. فالعالم أوسع وأعقد بكثير من أن يُرى بعين واحدة فقط.
علماء النفس يقولون إن كل تجربة نمر بها تترك بصمتها في أذهاننا. تجربة الطفولة، العلاقات، الخيبات، النجاحات… كل واحدة منها تضيف “لوناً” جديداً للنظارة التي نرى العالم من خلالها. تخيل أن شخصاً ما نشأ في بيئة مليئة بالحب والدعم، غالباً سيرى الناس والعالم بألوان مشرقة، بينما شخص آخر واجه مواقف صعبة قد يميل لرؤية الأشياء بمنظار أكثر حذراً.
وهذا ما يعنيه ألبرت إيليس حين قال: “ما يؤلمنا ليس الأحداث نفسها، بل الطريقة التي نراها بها”. فكل شيء يحدث في حياتنا يعتمد على كيفية تفسيرنا له؛ يمكننا أن نرى نفس الموقف لكن بتفسيرين مختلفين تماماً.
الشيء المثير للاهتمام هو أن نظرتنا للعالم قد تتغير بمرور الوقت. ما كنا نراه “كارثة” في الماضي، قد نراه اليوم كدرس ثمين علّمنا الكثير. الإنسان الذي يتغير، وتتغير معه رؤيته للحياة، هو إنسان بدأ يقترب من الحقيقة. وهذا الأمر طبيعي، بل ضروري. فالتجارب لا تتوقف، ومن لا يتعلم منها يكون قد أغلق على نفسه نافذة كان يمكن أن يرى من خلالها صورة أكبر وأوضح.
في حياتنا اليوم، تقبل اختلاف الآراء وتنوع الأفكار أصبح ضرورة. العالم مزدحم بالثقافات والتجارب، و”الصح” بالنسبة لشخص قد لا يكون كذلك بالنسبة لشخص آخر. الفيلسوف إدوارد دي بونو يقول إن التفكير المرن هو المفتاح للتواصل والتفاهم، لأنك عندما تضع نفسك مكان الآخر وتفكر كما يفكر، تبدأ بفهم ما وراء كلماته وأفعاله.
هذه المرونة تجعلنا أكثر تفهماً، وتجعل الحياة أكثر سلاسة. فأن نتقبل فكرة أن رؤيتنا للعالم ليست وحدها الصحيحة، يجعلنا نعيش بتوازن وتقدير لتجارب الآخرين، ولا نراهم كأعداء إذا اختلفوا معنا، بل نرى فيهم أصدقاء يضيفون لوجهات نظرنا بعداً جديداً.
عندما نعي أن “نظرتنا للعالم ليست الحقيقة المطلقة”، نصبح أكثر استعداداً للتعلم والانفتاح. هذه الفكرة تتيح لنا الاستمتاع برحلة لا تنتهي من الاكتشافات. قد نرى أنفسنا ننمو ونتغير ونبدأ بتقدير تفاصيل لم نكن نلاحظها من قبل. إنها رحلة طويلة، لكنها مليئة بالمعرفة والمتعة، حيث ندرك تدريجياً أن الحقيقة أكبر من مجرد “نافذة واحدة”.
العالم مليء بالتنوع، وكل فرد يرى الحياة بطريقة مختلفة، وهذا التنوع لا يقلل من جمال الحقيقة، بل يجعله أكثر ثراءً. عندما نتقبل أن لكل شخص طريقته الخاصة في رؤية الحياة، نصبح أكثر تسامحاً وحباً. هذه الفكرة تجعلنا نعيش بسلام، وتعلّمنا أن ننظر إلى الحياة من زوايا مختلفة، لأن الحقيقة لا تكتمل إلا بالنظر إليها من جميع الجوانب.